وبعد ان اقتنعت انت ، صديقي القارئ ، بما كنت قد اقتنعت به انا من قبلك .
وبعد ان سلّمت معي بان الدخول في السوق بطريقة عشوائية ،
غريزية ، فوضوية ، لا يمكن أن يؤدي الى نجاح ، يستحق التهنئة والمباركة .
وبعد ان أثارت كلماتي بك الفضول اللازم ، والحشرية الكافية ،
لطرح السؤال والبحث له عن جواب .
وبعد كل هذا ، لا بدّ ان تسألني ، ولا بدّ أن تكون ملحاحا في السؤال :
وهل انّ التحليل التقني المزعوم يمكن ان يشكل أرضية صالحة ، وقاعدة ثابتة ،
تبنى عليها استراتيجية العمل العقلانية الموضوعية المزعومة ؟
وبعد كل هذا ، لا بدّ أن أجيبك ، ولا بدّ أن أكون مصرارا في الجواب :
نعم إن التحليل التقني ، يمكن أن يكون تلك القاعدة الصلبة التي يحق لكل راغب
بامتهان هذه المهنة أن يبني عليها استراتيجية عمله ، إ ن هو رغب سلوك الدرب ،
كما يفعل المهرة من المتخصصين الذين سبقوه .
وما تراه يكون التحليل التقنيّ هذا ؟
ولماذا يمكن الانطلاق منه والاعتماد عليه .
نلاحظ في السنوات الاخيرة ان التحليل التقني يكتسب أهمية متزايدة
من المقبلين على العمل بالبورصة ، وإقبالا ملحوظا من المهتمين بشؤونها ،
ليس لسهولة في فهم خفاياه ، ولا لضمانة في نجاح وسائله ، إنما اقتناعا
بانه الطريقة المثلى الى فهم سيكولوجية السوق ، واستباق ما يخفيه المستقبل
القريب والبعيد ، من تحركات يصعب تقديرها او التنبؤ بها .
هنا لا مجال للحديث عن أرقام تفضح خسارة وقعت فيها شركة من الشركات ،
أو ربح حققته ، بحيث أن سهمها ، أو ينخفض تبعا لذلك .
كما انه لا مجال للبحث أو لترقب مستوى معين تراجعت اليه ،أو ارتفعت عنه
معدلات البطالة في بلد من البلدان ، بحيث أن هذا الحدث يؤثر
على مستوى التضخم فيه ، وبالتالي ينعكس على وضع السوق .
. ان التحليل التقني انما هو تحليل لفترة زمنية سابقة ، مرّ بها سوق من الأسواق ،
أو عملة من العملات ، أو سهم من الأسهم ، أو مؤشر من المؤشرات ،
بهدف الوصول الى قراءة لمستقبل هذا السوق ، أو هذه العملة ، أو هذا السهم ،
على المدى القريب والبعيد . أما أهم ما في عدّة المحلل التقني ، فهو الشارت .
أي ذلك الخط الذي يترجم تحركات السوق في الفترة الماضية معتمدا على ،
ورابطا بين ، حقبات زمنية تتراوح بين الدقيقة والسنة .
ولكن ،
هل يمكن أن نفهم الماضي من خلال خطوط صمّاء ،
تتلوى على صفحة شاشة خرساء ؟
وإن نحن فهمنا هذه الخطوط وأحسننا قراءتها ، وأتقننا فكّ رموزها ،
فهل يعقل أن نحسن توقع أشكال خطوط الغد من خلال فهمنا لمعاني خطوط الأمس ورموزها ؟
أيعقل ترى ، أن نستقرئ المستقبل ، إنطلاقا من فهمنا لأحداث الماضي ؟